الحكمة المنسية في خزائن الأدوية لدينا
افتح خزانة الأدوية في منزلك. على الأغلب ستجدها ممتلئة بعلب ملونة وشرائط أقراص لامعة، حل لكل عرض يمكن تخيله: دواء للصداع، وآخر للمعدة، وثالث للحساسية، ورابع للأرق. لقد أصبح هذا المشهد هو الطقس المعتاد للتعامل مع أي وعكة صحية، لدرجة أننا نسينا أنه كانت هناك فترة لم تكن فيها هذه الأدوية المصنّعة هي الخيار الأول، أو حتى موجودة.
في هذا المقال، سنعود بالزمن إلى الوراء قرابة ١٠٠ عام، بالاعتماد على مرجع طبي مذهل نُشر عام ١٩٢٦، وهو كتاب "United States Dispensatory". كان هذا الكتاب بمثابة "الكتاب المقدس" للأطباء في ذلك الوقت، والمدهش أن ٧٥٪ من جميع العلاجات المذكورة فيه كانت طبيعية تمامًا، مستخلصة من الأعشاب والنباتات والمعادن.
هدفنا اليوم هو استكشاف خمسة من أغرب هذه العلاجات "المفقودة" وأكثرها تأثيرًا. هذه الرحلة ستجعلك تعيد التفكير في معنى "التقدم الطبي" الحقيقي، وتتساءل عن الحكمة التي ربما نكون قد فقدناها في طريقنا نحو الحداثة.
١. التحول الطبي الكبير: كيف خسرت الطبيعة أمام المواد المصنّعة
في أقل من ٣٠ عامًا، انقلب عالم الطب رأسًا على عقب. البيانات من الإصدارات المتعاقبة لكتاب "United States Dispensatory" تكشف عن تحول دراماتيكي وسريع من العلاجات الطبيعية إلى الأدوية المصنّعة:
- ١٩٢٦: ٧٥٪ علاجات طبيعية، ٢٥٪ أدوية مصنّعة.
- ١٩٤٣: ٥٠٪ علاجات طبيعية، ٥٠٪ أدوية مصنّعة.
- ١٩٥٥: ٢٥٪ فقط علاجات طبيعية، ٧٥٪ أدوية مصنّعة.
هذا التحول السريع، الذي تأثر بشكل كبير بالمصالح التجارية لشركات الأدوية، لم يغير فقط ما يوجد في خزائن الأدوية لدينا، بل غيّر وجه الطب بالكامل. لم يكن هذا التحول مجرد صدفة، بل كان نتيجة لجهود منظمة لإعادة تشكيل التعليم الطبي والممارسة السريرية بالكامل، مما وضع الأدوية المصنّعة في قلب المنظومة الصحية الجديدة. هذا التحول يدفعنا إلى التساؤل:
"هل نسير حقًا في اتجاه المزيد من الحكمة، أم أننا نبتعد عنها عندما نتجاهل هذه العلاجات الطبيعية التي صمدت لمئات أو آلاف السنين وأثبتت فعاليتها عبر الزمن؟"
٢. خزانة مطبخ أجدادنا كانت صيدلية
قبل أن تمتلئ الصيدليات بالأقراص الملونة، كانت خزائن المطابخ تحتوي على علاجات قوية كان يصفها الأطباء. الكثير من المواد التي نعتبرها اليوم مجرد مكونات طعام أساسية كانت تُستخدم كأدوية فعالة.
- زيت الزيتون: لم يكن فقط للسلطة. كان يُستخدم كمليّن خفيف لعلاج الإمساك، وكذلك للمساعدة في حالات حصوات المرارة.
- كبريتات المغنيسيوم (ملح إبسوم): كان هذا الملح الشائع دواءً أساسيًا للمساعدة على الاسترخاء والنوم، وعلاج القلق، وتخفيف الألم، وحتى الاكتئاب.
- الفحم النشط: كان العلاج الأول في حالات التسمم الغذائي، أو للتخلص من الغازات والسموم في الجهاز الهضمي.
هذه الأمثلة تظهر كيف كان الخط الفاصل بين "الغذاء" و"الدواء" غير واضح على الإطلاق في الماضي، حيث كان كل ما هو طبيعي يحمل في طياته إمكانات علاجية.
٣. المكون السري الصادم في مشروب 7Up الأصلي
هل تصدق أن أحد أشهر المشروبات الغازية في العالم كان يحتوي في الأصل على عنصر طبيعي يُستخدم لعلاج الحالات النفسية؟ هذه هي قصة الليثيوم ومشروب "سفن أب".
في أوائل القرن العشرين، كان الليثيوم معروفًا بتأثيره المهدئ، لدرجة أن الناس كانوا يستحمون في الينابيع الغنية بالليثيوم للاسترخاء. ومن هنا، وُلدت فكرة إنشاء مشروب غازي بنكهة الليمون واللايم يحتوي على الليثيوم، وكان يُسوّق له بشعار جذاب: "جرعة سعادة تنهي العبوس".
كان المشروب يُستخدم بجرعات منخفضة للمساعدة في علاج القلق والاكتئاب. ولكن في عام ١٩٤٨، تم حظر استخدام الليثيوم في المشروبات، مما أجبر الشركة على إزالته وتغيير اسم المشروب إلى "7Up". وهناك نظريتان حول سبب تسميته "سفن" (سبعة): الأولى تقول إنها إشارة إلى الوزن الذري لليثيوم (٧)، بينما تشير الأخرى إلى أنه كان يحتوي على سبعة مكونات. هذه القصة مثال مذهل على كيف كان عنصر طبيعي مثبت للمزاج جزءًا من منتج استهلاكي شائع.
٤. جدل فيتامين د الذي لم تسمع به من قبل
اليوم، تدور النقاشات حول ما إذا كنا بحاجة إلى ٤٠٠ أو ٦٠٠ وحدة دولية (IU) من فيتامين د يوميًا. لكن بالعودة إلى مرجع طبي من عام ١٩٧٢، نجد قصة مختلفة تمامًا وصادمة.
وفقًا لهذا المرجع، كان الأطباء في ذلك الوقت يستخدمون جرعات عالية جدًا من فيتامين د٣ تصل إلى ٢٨٠,٠٠٠ وحدة دولية لعلاج بعض أمراض المناعة الذاتية. ولكن بشكل غريب، في الطبعة التالية من نفس الكتاب، انخفضت الجرعة الموصى بها بشكل كبير إلى ٦٠٠ وحدة دولية فقط!
وفقًا للدكتور بيرج، الذي استعرض هذه البيانات التاريخية، فقد كان هناك "قمع للمعلومات المتعلقة بفيتامين د"، وأن معظم الناس اليوم يحتاجون إلى جرعات أعلى بكثير من التوصيات الحالية. هذا التغيير الجذري يثير تساؤلات جدية حول سبب تغير المعلومات المتعلقة بالإمكانات العلاجية للفيتامينات بشكل كبير.
٥. المضاد الحيوي الطبيعي "المحظور"
قبل اكتشاف البنسلين والأدوية المصنّعة، كان الأطباء يعتمدون على مضادات حيوية طبيعية. أحد أبرز هذه العلاجات كان الفضة الغروية (Colloidal Silver).
من المهم أن نوضح هنا أننا ننقل فقط ما ورد في الكتاب الطبي لعام ١٩٢٦، دون تقديم أي ادعاءات طبية حديثة، خاصة وأن الحديث عن هذا الموضوع أصبح مثيرًا للجدل اليوم. في ذلك الوقت، وقبل عصر المضادات الحيوية، كانت الفضة الغروية تُستخدم على نطاق واسع من قبل الطب السائد كعامل مضاد للبكتيريا موضعيًا لتنظيف الجروح، وكـ "مضاد حيوي طبيعي" عام.
بالطبع، تم استبدال الفضة الغروية لاحقًا بالمضادات الحيوية الحديثة، وأصبحت الآن موضوعًا لا يمكن مناقشته بحرية في العديد من المنصات. لكن تاريخها يظل شاهدًا على وجود بدائل طبيعية فعالة كانت هي الأساس في العلاج.
هل "الأحدث" هو دائمًا "الأكثر حكمة"؟
يكشف لنا النظر إلى تاريخ الطب عن ثروة من المعرفة حول العلاجات الطبيعية التي تم نسيانها أو استبدالها إلى حد كبير. من زيت الزيتون كدواء، إلى الليثيوم في المشروبات الغازية، مرورًا بالجرعات العلاجية العالية من فيتامين د، يتضح أن "التقدم" لا يعني بالضرورة "الحكمة".
بينما نحتفل بانتصارات الطب الحديث، يجب أن نسأل: في سعينا الدؤوب نحو "الجديد"، ما هي الحكمة الجوهرية التي تجاهلناها، وما هو ثمن تركها مدفونة؟
تم كتابة هذا المقال بواسطة الذكاء الاصطناعى
المصدر | شاهد الفيديو

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق