حلمٌ من الإسمنت والطموح
في عام 2009، وفي قلب إسبانيا، وُلد مشروع عملاق كان من المفترض أن يغير وجه المنطقة. لم يكن مجرد مطار، بل كان رؤية طموحة لمستقبل مشرق، بوابة جوية صُممت لاستقبال ما يصل إلى عشرة ملايين مسافر سنوياً. بُنيت الصالات الفاخرة، ومُدت المدارج اللامعة، ووُضعت كل التجهيزات في انتظار هدير المحركات وضجيج المسافرين. كان المشروع رمزاً للنمو الاقتصادي والثقة في مستقبل لا حدود له، لكن الواقع كان يخبئ قصة مختلفة تماماً.
افتتاحٌ بلا طائرات
تم قص الشريط الحريري وافتُتح المطار رسمياً، لكن بدلاً من أن تُفتح أبواب الطائرات، ساد صمت مطبق. بقيت قاعات الانتظار فارغة إلا من صدى خطوات الحراس، وتوقفت سيور الأمتعة عن الدوران، وظلت شاشات عرض الرحلات سوداء بلا حياة. تحول الحلم الكبير بسرعة إلى نصب تذكاري مهجور، مثال صارخ على مشروع وُلد ميتاً، ليُطلق عليه السكان المحليون ووسائل الإعلام لقب "مطار الأشباح".

تحليل الفشل: فقاعة اقتصادية أم سوء تخطيط؟
لم يكن هذا الفشل مجرد حظ عاثر، بل كان نتيجة مباشرة لفقاعة اقتصادية سبقت الأزمة المالية العالمية عام 2008. استند المشروع على توقعات مفرطة في التفاؤل لم تكن واقعية، بالإضافة إلى قرارات سياسية تغاضت عن دراسات الجدوى الحقيقية. الأهم من ذلك، تم بناء البنية التحتية بالكامل قبل تأمين أي عقود مع شركات الطيران الكبرى. إنها قصة تحذيرية كلاسيكية عن مخاطر بناء المشاريع العملاقة على أساس الأمل بدلاً من خطط العمل المحكمة.
من بوابة للسفر إلى مرآب للطائرات
لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد. فبدلاً من أن يترنح تحت وطأة الإهمال، وجد المطار لنفسه دوراً جديداً غير متوقع. مع تفشي جائحة كورونا وتوقف حركة الطيران العالمية، تحولت مدارجه الشاسعة إلى موقف عملاق للطائرات التي تم إيقافها عن الخدمة. أصبح المطار مركزاً لصيانة وتخزين الطائرات، مما منحه حياة ثانية، وإن كانت أقل بريقاً بكثير من الحلم الأصلي.

الثمن الباهظ للحلم الضائع
خلف هذا الصمت تقف تكلفة باهظة تحملها دافعو الضرائب والمجتمع المحلي. الأموال العامة التي كان يمكن استثمارها في التعليم أو الرعاية الصحية تبخرت في مشروع لم يحقق أهدافه. كما أن الوعود بتوفير آلاف الوظائف ودفع عجلة السياحة تحولت إلى سراب، مما ترك شعوراً بالمرارة وخيبة الأمل لدى السكان الذين كانوا يأملون في مستقبل أفضل. أصبح المطار رمزاً ليس فقط للفشل الاقتصادي، بل أيضاً للوعود السياسية الجوفاء.
دروس من صالات مهجورة
في نهاية المطاف، قصة "مطار الأشباح" هي أكثر من مجرد حكاية عن مبنى فارغ. إنها درس بليغ في التخطيط الحضري، والتنبؤ الاقتصادي، وخطورة الغرور. تعلمنا أن البنى التحتية الضخمة يجب أن تخدم حاجة قائمة، لا أن تخلقها من العدم. الأصداء في تلك الصالات المهجورة تحمل تحذيراً للمستقبل: قبل أن نصبّ الإسمنت ونبني الأحلام، يجب أن نتأكد من أنها تقف على أرض صلبة من الواقع.
المصدر:https://www.dailystar.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق