عاصفة سياسية تهز العاصمة بيساو
مرة أخرى، يتردد صدى الاضطرابات السياسية في شوارع بيساو، عاصمة غينيا بيساو، لتضع البلاد الصغيرة في غرب أفريقيا أمام اختبار جديد لاستقرارها الهش. الأنباء عن سيطرة الجيش على مفاصل الدولة لم تكن مجرد خبر عابر، بل كانت بمثابة جرس إنذار هزّ المنطقة بأكملها، وأعاد إلى الأذهان تاريخاً طويلاً من التقلبات العسكرية التي أعاقت مسيرة التقدم في البلاد. لم تتأخر ردود الفعل الإقليمية والدولية، حيث علت الأصوات المعبرة عن قلقها العميق، مما يشير إلى أن الساعات القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير الديمقراطية في هذا البلد.
صدى القلق: إيكواس والاتحاد الأفريقي يدقّان ناقوس الخطر
فور انتشار الأنباء، سارعت كل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي إلى التعبير عن قلقهما البالغ. هذه البيانات ليست مجرد إجراء دبلوماسي روتيني، بل هي انعكاس لخوف حقيقي من عودة موجة الانقلابات التي ضربت المنطقة في السنوات الأخيرة. تمثل هذه الأحداث تحدياً مباشراً لمبادئ الحكم الديمقراطي التي تسعى هذه المنظمات لترسيخها. إن قلقهما ينبع من إدراك تام بأن أي نجاح لانقلاب في دولة عضو قد يشجع على تكرار السيناريو في دول أخرى، مما يهدد بنسف عقود من الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
غينيا بيساو: تاريخ مثقل بالانقلابات
لفهم خطورة ما يحدث اليوم، لا بد من النظر إلى الماضي. فغينيا بيساو ليست غريبة على التدخلات العسكرية في السياسة؛ بل إن تاريخها منذ الاستقلال عام 1974 مليء بالمحاولات الانقلابية والانقلابات الناجحة والاغتيالات السياسية. هذه الدورة المستمرة من عدم الاستقرار أدت إلى تآكل مؤسسات الدولة، وأعاقت التنمية الاقتصادية، وجعلت البلاد رهينة لطموحات العسكر. إن ما نشهده ليس حدثاً معزولاً، بل هو فصل جديد في مسلسل طويل من الأزمات التي حالت دون أن تتمتع البلاد بسلام دائم وحكم مدني مستقر.
ما وراء العناوين: الأسباب العميقة لعدم الاستقرار
من السهل إدانة الانقلاب، ولكن من الضروري البحث في جذور المشكلة. إن عدم الاستقرار في غينيا بيساو، كما هو الحال في العديد من دول المنطقة، يتغذى على مجموعة معقدة من العوامل، بما في ذلك الفقر، والفساد المستشري، وضعف المؤسسات الديمقراطية، والانقسامات العرقية والسياسية. الجيش غالباً ما يرى في نفسه المنقذ أو البديل الوحيد عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود، مستغلاً حالة الإحباط الشعبي. وبالتالي، فإن أي حل دائم لا يمكن أن يقتصر على الضغط الدبلوماسي، بل يجب أن يشمل معالجة هذه القضايا الهيكلية العميقة التي تجعل الانقلابات ممكنة في المقام الأول.
المواطن العادي: الضحية الأكبر في معادلة السلطة
في خضم الصراع على السلطة بين النخب السياسية والعسكرية، غالباً ما يتم نسيان المواطن العادي، الذي هو الضحية الحقيقية لهذه الأزمات. كل انقلاب يعني المزيد من عدم اليقين، وتوقف عجلة الاقتصاد، وتدهور الخدمات الأساسية، وخطر الانزلاق نحو العنف. الشعب الذي يتوق إلى السلام والتنمية والفرص يجد نفسه مرة أخرى عالقاً في دوامة من الصراعات التي لا ناقة له فيها ولا جمل. إن التكلفة البشرية لعدم الاستقرار السياسي باهظة، وهي التي يجب أن تكون في صميم اهتمام المجتمع الدولي عند التعامل مع هذه الأزمة.
مستقبل غامض: هل من أفق للاستقرار؟
تقف غينيا بيساو اليوم عند مفترق طرق حاسم. التحركات العسكرية الأخيرة تضع مستقبل البلاد على المحك، وتختبر في الوقت نفسه قدرة المنظمات الإقليمية الأفريقية على فرض مبادئها. هل ستنجح الضغوط الدبلوماسية في إعادة المسار الدستوري؟ أم أن البلاد ستغرق في فترة جديدة من الحكم العسكري؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مصير غينيا بيساو، بل سترسل أيضاً رسالة قوية إلى جميع أنحاء القارة حول مدى جدية أفريقيا في الدفاع عن الديمقراطية ورفض منطق القوة.
المصدر:https://www.usnews.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق